فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفراء:

سورة الجمعة:
{وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
قوله عز وجل: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ...}.
يقال: إنهم ممن لم يسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه، ثم أسلم، ويقال: هم الذين يأتون من بعد. {وآخرين} في موضع خفض؛ بَعث في الأميين وفي آخرين منهم. ولو جعلتها نصبا بقوله: {ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُم} ويعلم آخرين فينصب على الرد على الهاء في: {يزكيهم}، و{يعلمهم}.
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
وقوله: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا...}.
{يحمل} من صلة {الحمار}؛ لأنه في مذهب نكرة، فلو جعلت مكان {يحمل} حاملا لقلت: كمثل الحمار حاملا أسفارا. وفي قراءة عبد الله: {كمثل حمار يحمل أسفارا}. والسِّفْر واحد الأسفار، وهى الكتب العظام. شبه اليهود، ومن لم يسلم إذ لم ينتفعوا بالتوراة والإنجيل. وهما دليلان على النبي صلى الله عليه- بالحمار الذي يحمل كتب العلم ولا يدرى ما عليه.
{قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}
وقوله: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ...}.
أدخلت العرب الفاء في خبر (إنّ)؛ لأنها وقعت على الذي، والذي حرف يوصل، فالعرب تدخل الفاء في كل خبرٍ كان اسمه مما يوصل مثل: من، والذي وإلقاؤها صواب، وهى في قراءة عبد الله: {إن الموتَ الذي تفرُّون منه ملاقيكُم}، ومن أدخل الفاء ذهب بالذي إلى تأويل الجزاء إذا احتاجت إلى أن توصل، ومن ألقى الفاء فهو على القياس؛ لأنك تقول: إن أخاك قائم، ولا تقول: إن أخاك فقائم. ولو قلت: إن ضاربك فظالم كان جائزا؛ لأن تأويل: إن ضاربك، كقولك: إن من يضربك فظالم، فقس على هذا الاسم المفرد الذي فيه تأويل الجزاء فأدخل له الفاء.
وقال بعض المفسرين: إن الموت هو الذي تفرون منه، فجعل الذي في موضع الخبر للموت. ثم قال: ففروا أولا تفروا فإنه ملاقيكم. ولا تجد هذا محتملا في العربية والله أعلم بصواب ذلك.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
وقوله: {مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ...}.
خفضها الأعمش فقال: الْجمعة، وثقلها عاصم وأهل الحجاز، وفيها لغة: جُمَعَة، وهي لغة لبني عقيل لو قرئ بها كان صوابا. والذين قالوا: الجمعة: ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنه يوم جُمَعَة؛ كما تقول: رجل ضُحَكة للذي يُكثر الضحك.
وقوله: {فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ...}.
وفي قراءة عبد الله: {فامضوا إلى ذكر الله}، والمضي والسعي والذهاب في معنى واحد؛
لأنك تقول للرجل: هو يسعى في الأرض يبتغى من فضل الله، وليس هذا باشتداد.
وقد قال بعض الأئمة: لو قرأتها: {فاسعوا} لاشتددت يقول: لأسرعت، والعرب تجعل السعي أسرع من المضي، والقول فيها القول الأول.
وقوله: {وَذَرُواْ الْبَيْعَ...}.
إذا أمر بترك البيع فقد أمر بترك الشراء؛ لأن المشترِى والبيِّع يقع عليهما البيِّعان، فإذا أذن المؤذن من يوم الجمعة حرم البيع والشراء.
{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
وقوله: {فَانتَشِرُواْ فِي الأَرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللَّهِ...}.
هذا: إِذْنٌ، وإباحةٌ، من شاء باع، ومن شاء لزم المسجد.
{وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}
وقوله: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّواْ إِلَيْهَا...}.
فجعل الهاء للتجارة دون اللهو، وفي قراءة عبد الله: {وإذا رأوا لهوا أو تجارة انفضوا إليها}. وذكروا أن النبي صلى الله عليه كان يخطب يوم الجمعة، فقد دِحْيَة الكلبي بتجارة من الشام فيها كل ما يحتاج إليه الناس، فضرب بالطبل ليؤذن الناس بقدومه؛ فخرج جميع الناس إليه إلاّ ثمانية نفر، فأنزل الله عز وجل: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً} يعنى: التجارة التي قدِم بها، {أَوْ لَهْوًا}: يعنى: الضرب بالطبل. ولو قيل: انفضوا إليه، يريد: اللهو كان صوابا، كما قال: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا} ولم يقل: بها. ولو قيل: بهما، وانفضوا إليهما كما قال: {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فاللهُ أولى بهِمَا}، كان صوابا وأجود من ذلك في العربية أن تجعل الراجع من الذكر للآخرِ من الاسمين وما بعد ذا فهو جائز. وإنما اختير في {انفضوا إليها}- في قراءتنا وقراءة عبد الله؛ لأن التجارة كانت أهم إليهم، وهم بها أسرّ منهم بضرب الطبل؛ لأن الطبل إنما دل عليها، فالمعنى كله لها. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة الجمعة:
{وءاخرين منهم} [3] أي: ويعلم آخرين، وهم العجم. {لما يلحقوا بهم} [3] لم يدركوهم، قال عليه السلام: «رأيت في المنام غنمًا سودًا بينهم غنم عفر»، فقال أبو بكر: تلك العجم تتبع العرب، فقال عليه السلام: «كذلك عبرها لي الملك». {حملوا التوراة ثم لم يحملوها} [5] أي: طوقوا الأمانة في إظهار صفة محمد. {كمثل الحمار يحمل أسفارا} [5] كتبًا، واحدها سفر. وأنشد أبو سعيد الضرير على معنى هذه الآية:
زوامل للأسفار لا علم عندهم ** بجيدها إلا كعلم الأباعر

لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ** لحاجته أو راح ما في الغرائر

{فاسعوا إلى ذكر الله} [9] قال السدي: السعي إجابة الداعي إليها. وقال غيره: هو التأهب لها والمشي إليها.
{أو لهوًا انفضوا إليها} [11] واللهو طبل يضرب إذا وردت العير. تمت سورة الجمعة. اهـ.

.قال الأخفش:

سورة الجمعة:
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
قال: {أَسْفَارًا} وواحدها (السِّفْر).
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
وقال: {مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ} يقول- والله أعلم- مِنْ صَلاةِ يَوْمِ الجُمُعَةِ.
وقال بعض النحويين لا يكون لـ(الأَسْفارِ) واحد كنحو {أَبابيل} و{أَساطِير}، ونحو قول العرب: (ثَوْبٌ أكْبَاشٌ) وهو الرديء الغزل، و(ثَوْبٌ مِزْقٌ) للمتمزّق. اهـ.

.قال ابن قتيبة:

سورة الجمعة مدنية كلها.
5-... {يَحْمِلُ أَسْفارًا} أي كتبا. واحدها: (سفر).
يريد: أن اليهود يحملون التوراة ولا يعملون بها، فمثلهم كمثل حمار يحمل كتبا من العلم: وهو لا يعقلها.
6- {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} أي ادعوا على أنفسكم به. وفي الحديث: «لو دعوا على أنفسهم بالموت، لماتوا جميعا»، هذا أو نحوه من الكلام.
و(التّمنّي): القول والتلاوة، والترخص بالكذب وليس يعرف عوامّ الناس منه إلا الودادة.
9- {فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ}: بادروا بالنية والجد. ولم يرد العدو، ولا الإسراع في المشي.
10- {فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ} أي فرغ منها.
11- {وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْوًا}.
يقال: «قدم دحية الكلبي رضي اللّه عنه بتجارة له من الشام، فضرب بالطبل: ليؤذن الناس بقدومه».
{انْفَضُّوا إِلَيْها} أي تفرّقوا عنك إليها. وقال (إليها)، ولو قال:
(إليهما) أو (إليه)، لكان جائزا.
{وَتَرَكُوكَ قائِمًا} تخطب.
يقال: (إن الناس خرجوا إلا ثمانية نفر). اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة الجمعة:
2 {بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} ليوافق ما تقدمت به البشارة، ولئلا يتوهّم الاستعانة بالكتب وليشاكل حال الأمة التي بعث فيها وذلك أقرب إلى مساواته لو أمكنهم.
3 {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ} أي: ويعلم آخرين. أو ويزكي آخرين، وهم العجم.
{لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ}: لم يدركوهم. قال عليه السلام: «رأيت غنما سودا تتبعها غنم عفر فقال أبو بكر: تلك العجم تتبع العرب فقال: كذلك عبّرها لي الملك».
5 {أَسْفارًا}: كتبا. واحدها (سفر).
11 {انْفَضُّوا}: أقبل عير ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الخطبة. فذهبوا نحوها.
و(اللّهو): طبل يضرب إذا وردت العير.
{وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} لا يفوتهم رزق اللّه بترك البيع. اهـ.
وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: «كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأنزلت عليه سورة الجمعة {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} قال: قلت: من هم يا رسول اللّه؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا وفينا سلمان الفارسي- وضع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال، أو رجل من هؤلاء».

.قال ملا حويش:

تفسير سورة الجمعة:
عدد 42 و110 و62.
نزلت بالمدينة بعد سورة الصّف.
وهي إحدى عشرة آية.
ومائة وثلاثون كلمة وتسعمائة وعشرون حرفا.
لا ناسخ ولا منسوخ فيها.
بدئت سورة التغابن بما بدئت به فقط.
ومثلها في عدد الآي سورة المنافقين والضّحى والقارعة والعاديات فقط.
ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به.
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}
قال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} من دابة وجماد وجن وإنس وملائكة وحوت وطير لهذا الإله الجليل {الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (1) في ملكه وحكمه.
واعلم أن التسبيح ثلاثة أقسام خلقه وهو إذا نظرت إلى كلّ شيء من المكونات الإلهية، دلتك خلقته على وحدانية اللّه تعالى وتنزيهه، وأنه الخالق الموجد له ومعرفة وهو جعل اللّه تعالى في كلّ شيء ما يعرف به ربه، بحيث لو سألته من سماك وسواك ينطق بلسان حاله أو قاله بلا تردد أو توقف معترفا بأن اللّه تعالى مكونه ومميزه عن غيره، يدلك هذا قوله عز وجل: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} الآية 15 من سورة الإسراء، وضرورة بان يجري اللّه تعالى لفظ تسبيحه وتنزيهه عما لا يليق به على كلّ جوهر أوجده في كونه من غير معرفة له بذلك، راجع أول سورة الحديد المارة.
واعلم أن هذا الإله العظيم المعلوم لدى كلّ خلقه المسبح بكل لسان {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ} أهل مكة ومن حولها لأنهم لا يقرءون ولا يكتبون ولا يحسبون {رَسُولًا مِنْهُمْ} أمّيّا مثلهم ومن جنسهم فجعله {يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ} التي أنزلها عليه لإرشادهم ونصحهم، وهذه معجزة دالة على تصديقه كافية عن كلّ معجزة {وَيُزَكِّيهِمْ} بذلك من دنس الشرك ودون الكفر ووسخ العصيان {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ} الذي أمره اللّه بتلاوته عليهم ليعرفوا معالم دينهم وما يرمي إليه {وَالْحِكْمَةَ} يعلمها لهم أيضا وهي الفقه فيه ليفطنوا لمراميه ويعلموا مغازيه ويتفهموا تعاليمه الحكيمة التي ترفع شأنهم بين الأمم وتعلى كلمتهم عليهم وتهديهم إلى طرق النّجاح والفلاح {وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ} بعثته إليهم {لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (2) ظاهر وهم مائلون عن الحق وطرقه لا يميزون بين الحلال والحرام، غافلون عما شرعه اللّه لأمم الأنبياء يدينون بما تسول لهم أنفسهم يتبعون شهواتهم في ذلك، تراهم عاكفين على عبادة الأوثان مع علمهم بأنها لا تضر ولا تنفع، مائلين إلى هوى أنفسهم، لا يدينون بدين، ولا يعرفون رب العالمين.
واعلم أن هذه التي بصدر هذه الجملة مخففة من الثقيلة واسمها محذوف (أي أنهم).